فصل: فصل: (حكم من فاتته الجماعة)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكافي في فقه الإمام أحمد ***


باب‏:‏ الجماعة

الجماعة واجبة على الرجال لكل صلاة مكتوبة لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب ثم آمر بالصلاة ثم آمر رجلا فيؤم الناس ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار‏]‏ متفق عليه وليست شرطا للصحة لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏تفضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة‏]‏ متفق عليه وتنعقد باثنين لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏الاثنان فما فوقهما جماعة‏]‏ رواه ابن ماجة فإن أم الرجل عبده أو زوجته كانا جماعة لذلك وإن أم صبيا في النفل جاز لأن النبي صلى الله عليه وسلم أم ابن عباس في التهجد وإن أمه في فرض فقال أحمد رضي الله عنه‏:‏ لا يكون مسقطا له لأنه ليس من أهله وعنه‏:‏ يصح كما لو أم رجلا متنفلا‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الصلاة في البيت والصحراء‏]‏

ويجوز فعلها في البيت والصحراء لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏أينما أدركتك الصلاة فصل فإنه مسجد‏]‏ متفق عليه وعنه أن حضور المسجد واجب لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد‏]‏ وفعلها فيما كثر الجمع أفضل لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كان أكثر فهو أحب إلى الله تعالى‏]‏ من المسند وإن كان في جواره مسجد تختل الجماعة فيه بغيبته عنه ففعلها فيه أفضل وإن لم تختل بذلك وثم مسجد آخر فالعتيق أفضل لأن الطاعة فيه أسبق وإن كانا سواء فهل الأفضل قصد الأبعد أو الأقرب على روايتين وإن كان البلد ثغرا فالأفضل اجتماع الناس في مسجد واحد لأنه أعلى للكلمة وأوقع للهيبة وبيت المرأة خير لها فإن أرادت المسجد لم تمنع منه ولا تتطيب له لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وبيوتهن خير لهن‏]‏ رواه أحمد وفي رواية‏:‏ ‏[‏ليخرجن تفلات‏]‏ يعني غير متطيبات ولا بأس أن تصلي المرأة بالنساء لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لأم ورقة أن تؤم أهل دارها رواه أبو داود‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الأعذار في ترك الجماعة والجمعة‏]‏

ويعذر في ترك الجماعة والجمعة بثمانية أشياء‏:‏

المرض‏:‏ لما روى ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر قالوا‏:‏ يا رسول الله وما العذر‏؟‏ قال‏:‏ خوف أو مرض‏]‏ رواه أبو داود‏.‏

والخوف‏:‏ لهذا الحديث وسواء خاف على نفسه من سلطان أو لص أو سبع أو غريم يلزمه ولا شيء معه يعطيه أو على ماله من تلف أو ضياع أو سرقة أو يكون له دين على غريم يخاف سفره أو وديعة عنده إن تشاغل بالجماعة مضى وتركه أو يخاف شرور دابته أو احتراق خبزه أو طبخه أو ناطور بستان يخاف سرقة شيء منه أو مسافر يخاف فوت رفقته أو يكون له مريض يخاف ضياعه أو صغير أو حرمة يخاف عليها‏.‏

والثالث والرابع‏:‏ المطر والوحل‏:‏ لما روي عن ابن عباس أنه قال لمؤذنه في يوم مطير‏:‏ إذا قلت أشهد أن محمدا رسول الله فلا تقل حي على الصلاة وقل صلوا في بيوتكم فعل ذلك من هو خير مني إن الجمعة عزمة وإني كرهت أن أخرجكم فتمشوا في الطين والدحض متفق عليه‏.‏

والخامس‏:‏ الريح الشديدة في الليلة المظلمة الباردة وهذا يختص بالجماعة لما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر مناديا فيؤذن ثم يقول على أثر ذلك‏:‏ ‏[‏ألا صلوا في الرحال‏]‏ في الليلة الباردة أو المطيرة في السفر متفق عليه‏.‏

السادس‏:‏ أن يحضر الطعام ونفسه تتوق إليه‏.‏

السابع‏:‏ أن يدافع الأخبثين أو أحدهما لما روت عائشة قالت‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏[‏لا يصلي أحدكم بحضرة الطعام ولا وهو يدافع الأخبثين‏]‏ رواه البخاري ومسلم‏.‏

الثامن‏:‏ أن يكون له قريب يخاف موته ولا يحضره لما روى ابن عمر رضي الله عنهما استصرخ علي سعيد بن زيد وقد تجهز للجمعة فذهب إليه وتركها‏.‏

فأما الأعمى فلا يعذر إذا أمكنه الحضور لما روى أبو هريرة قال‏:‏ أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال‏:‏ يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فسأله أن يرخص له فرخص له فلما ولى دعاه فقال‏:‏ ‏[‏أتسمع النداء بالصلاة قال‏:‏ نعم قال‏:‏ فأجب‏]‏ رواه مسلم‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏شرط صحة الجماعة‏]‏

ومن شرط صحة الجماعة أن ينوي الإمام المأموم حالهما فإن نوى أحدهما دون صاحبه لم تصح لأن الجماعة إنما انعقدت بالنية فيعتبر وجودها منهما وإن نوى كل واحد منهما أنه إمام صاحبه لم يصح لأنه لا مأموم له وإن نوى كل واحد منهما أنه مأموم لم يصح لأنه لا إمام له وإن نوى أن يأتم بأحد الإمامين لا بعينه لم يصح لأنه لا يمكنه اتباعه وإن نوى الائتمام بهما لم يصح لذلك وإن نوى الائتمام بالمأموم أو المنفرد لأنه ليس بإمام‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم من أحرم على صفة ثم انتقل عنها‏]‏

فإن أحرم على صفة ثم انتقل عنها ففيه ست مسائل‏:‏

إحداهن‏:‏ أحرم منفردا ثم جاء إنسان فأحرم معه فنوى إمامته فيجوز في النفل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قام يصلي في التهجد فجاء ابن عباس فأحرم معه فصلى به النبي صلى الله عليه وسلم متفق عليه‏.‏

وإن كان في فرض وكان يرجو مجيء من يصلي معه جاز أيضا نص عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم بالصلاة وحده فجاء جابر وجبار فصلى بهما رواه أبو داود وإن لم يكن كذلك فعن أحمد لا يجزئه لأنه لم ينو الإمامة في ابتداء الصلاة وعنه ما يدل على الإجزاء لأنه يصح في النفل والفرض في معناه‏.‏

الثانية‏:‏ أحرم منفردا فحضرت جماعة فأحب أن يصلي معهم فقال أحمد رضي الله عنه‏:‏ أحب إلي أن يقطع الصلاة ويدخل مع الإمام فإن لم يفعل ودخل معهم ففيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ لا يجزئه لأنه لم ينو الائتمام في ابتداء الصلاة‏.‏

والثانية‏:‏ يجزئه لأنه لما جاز أن يجعل نفسه إماما جاز أن يجعلها مأموما‏.‏

الثالثة‏:‏ أحرم مأموما ثم نوى الانفراد لعذر جاز نحو أن يطول الإمام أو تفسد صلاته لعذر من سبق حدث أو نحوه لما روى جابر قال‏:‏ صلى معاذ بقومه فقرأ بسورة البقرة فتأخر رجل وصلى وحده فقيل له‏:‏ نافقت يا فلان فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك فقال‏:‏ ‏[‏أفتان أنت يا معاذ‏؟‏‏]‏ مرتين متفق عليه‏.‏

فإن نوى الانفراد لغير عذر فسدت صلاته لأنه ترك متابعة إمامه لغير عذر فأشبه ما لو تركها بغير نية المفارقة وفيه وجه أنه يصح بناء على المنفرد إذا نوى الإمامة‏.‏

الرابعة‏:‏ أحرم مأموما ثم صار إماما لعذر مثل أن سبق إمامة الحديث فيستخلفه فإنه يصح‏.‏

وعنه‏:‏ لا يصح وإن أدرك نفسان بعض الصلاة مع الإمام فلما سلم ائتم أحدهما بصاحبه في بقيتها‏؟‏ ففيه وجهان فإن كان لغير عذر لم تصح‏.‏

الخامسة‏:‏ أحرم إماما ثم صار منفردا لعذر مثل أن يسبق الإمام الحدث أو تفسد صلاته لعذر فينوي الإمام المنفرد فيصح وإن كان لغير عذر لم يصح‏.‏

السادسة‏:‏ أحرم إماما ثم صار مأموما لعذر مثل أن يؤم غير إمام الحي فيزول عذر الإمام فيتقدم في أثناء الصلاة ويبني على صلاة الأول ويصير الأول مأموما ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يصح لما روى سهل بن سعد قال‏:‏ ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم فحانت الصلاة فصلى أبو بكر فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس في الصلاة فتخلص حتى وقف في الصف فاستأخر أبو بكر حتى استوى في الصف ‏(‏وتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فصلى ثم انصرف‏)‏ متفق عليه‏.‏

والثانية‏:‏ لا يصح لأنه لا حاجة إلى ذلك وفعل النبي صلى الله عليه وسلم يحتمل أن يكون خاصا له لأن أحدا لا يساويه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏إذا أقيمت الصلاة لم يشتغل عنها بغيرها‏]‏

وإذا أقيمت الصلاة لم يشتغل عنها بغيرها لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة‏]‏ رواه مسلم وإن أقيمت وهو في نافلة خففها وأتمها إلا أن يخاف فوات الجماعة فيقطعها لأن الفريضة أهم وعنه يتمها لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تبطلوا أعمالكم‏}‏‏.‏

وإن أقيمت قبل مجيئه لم يسع إليها لما روى أبو هريرة قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون ائتوها وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا‏]‏ وروي‏:‏ ‏[‏فاقضوا‏]‏ متفق عليه ولا بأس أن يسرع شيئا إذا خاف فوات الركعة لأنه جاء عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يعجلون شيئا إذا خافوا الفوات فإن أدركه راكعا كبر للإحرام وهو قائم ثم كبر أخرى للركوع فإن كبر واحدة أجزأه نص عليه واحتج أنه فعل زيد بن ثابت وابن عمر رضي الله عنهما وإن أدرك قدر ما يجزىء في الركوع مع الإمام أدرك الركعة فإن لم يدرك ذلك لم يكن مدركا لها لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏إذا أدركتم الإمام في السجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئا ومن أدرك الركوع فقد أدرك الركعة‏]‏ رواه أبو داود وإن أدركه في سجود أو جلوس كبر الإحرام وانحط من غير تكبير لأنه لم يدرك محل التكبير في السجود‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏انتظار داخل في القيام أو الركوع‏]‏

وإذا أحس بداخل في القيام أو الركوع استحب له انتظاره ما لم يشق على المأمومين لما روى ابن أبي أوفى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم في الركعة الأولى من صلاة الظهر حتى لا يسمع وقع قدم ولأنه انتظار ليدرك المأموم على وجه لا يشق فلم يكره كالانتظار في صلاة الخوف إلا أن يكون الجمع كثيرا فأنه لا يستحب لأنه يتعذر أن يكون فيهم من يشق عليه ولأنه يفوت حق جماعة كثيرة لأجل واحد ومن كبر قبل سلام الإمام فقد أدرك فضيلة الجماعة ويبني عليها‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم ما يدركه المأموم من الإمام‏]‏

وما يدركه المأموم من الإمام آخر صلاته لا يستفتح فيه وما يقضيه أولها يستفتح إذا قام إليه ويستعيد لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏وما فاتكم فاقضوا‏]‏ والمقضي هو الفائت‏.‏

وعنه‏:‏ إن ما يدركه أولها ما يقضيه آخرها لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏وما فاتكم فأتموا‏]‏ والأول المشهور لأنه يقرأ فيما يقضيه بالسورة بعد الفاتحة فكان أول صلاته كما لو بدأ به فإن لم يدرك إلا ركعة من المغرب أو الرباعية ففي موضع تشهد روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ يأتي بركعتين متواليتين ثم يتشهد لأن المقضي أول صلاته وهذا صفة أول الصلاة ولأنهما ركعتان يقرأ فيهما بالسورة فكانتا متواليتين كغير المسبوق‏.‏

والثانية‏:‏ يأتي بركعة ثم يجلس لأنه يروى عن ابن مسعود وسعيد بن المسيب ومسروق فإذا جلس مع الإمام في تشهده الأخير كرر التشهد الأول فإذا قضى ما عليه تشهد وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم سلم‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم من فاتته الجماعة‏]‏

وإن فاتته الجماعة استحب أن يصلي في جماعة أخرى فإن لم يجد إلا من قد صلى استحب لبعضهم أن يصلي معه لما روى أبو سعيد أن رجلا جاء وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏[‏من يتصدق على هذا فيصلي معه‏؟‏‏]‏ وهذا حديث حسن ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة‏]‏ ويجوز ذلك في جميع المساجد إلا أن أحمد رضي الله عنه كرهه في المسجد لحرام ومسجد الرسول‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏اتباع المأموم لإمامه‏]‏

ويتبع المأموم الإمام فيجعل أفعاله بعد أفعاله لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد وإذا سجد فاسجدوا‏]‏ متفق عليه والفاء للتعقيب وقال في حديث أبي موسى‏:‏ ‏[‏فإن الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم‏]‏ رواه مسلم وقال البراء بن عازب‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال‏:‏ ‏[‏سمع الله لمن حمده‏]‏ لم يحن أحد منا ظهره حتى يقع ساجدا فنقع سجودا بعده متفق عليه فإن كبر للإحرام مع إمامه أو قبله لم يصح لأنه ائتم بمن لم تنعقد صلاته وإن فعل سائر الأفعال معه كره لمخالفة السنة ولم تفسد صلاته لأنه اجتمع معه في الركن وإن ركع أو رفع قبله عمدا أتم لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏لا يسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام‏]‏ والنهي يقتضي التحريم وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏[‏أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار‏]‏ متفق عليه وظاهر كلام أحمد رضي الله عنه أن صلاته تبطل لهذا الحديث قال‏:‏ لو كان له صلاة لرجي له الثواب ولم يخشى عليه العقاب‏.‏

وقال القاضي‏:‏ تصح صلاته لأنه اجتمع معه في الركن أشبه ما لو وافقه وإن فعله جاهلا أو ناسيا فلا بأس وعليه أن يعود ليأتي بذلك معه فإن لم يفعل صحت صلاته لأنه سبق يسير لا يمكن التحرز منه فإن ركع ورفع قبل أن يركع إمامه وسجد قبل رفعه عمدا عالما بتحريمه بطلت صلاته لأنه لم يأتم بإمامه في معظم الركعة وإن كان جاهلا أو ناسيا لم تبطل صلاته للعذر ولم يعتد بتلك الركعة لما ذكرنا فإن ركع قبله فلما ركع رفع ففي بطلان الصلاة لعمد ذلك والاعتداد بالركعة من جهله ونسيانه وجهان فإن ركع الإمام ورفع قبل ركوع المأموم عمدا بطلت صلاته لتركه المتابعة وإن كان لنوم أو غفلة ونحو ذلك لم تبطل لأنه سبق يسير ويركع ثم يدركه فإن سبقه بأكثر من ذلك لعذر ففيه وجهان‏.‏

أحدهما‏:‏ يفعله ويلحق كالمزحوم في الجمعة‏.‏

والثاني‏:‏ تبطل الركعة لأنها مفارقة كثيرة‏.‏

باب‏:‏ صفة الأئمة

الكلام فيها في ثلاثة أمور‏:‏

أحدها‏:‏ صحة الإمامة‏:‏ والناس فيها على خمسة أقسام‏:‏

أحدها‏:‏ من تصح إمامته بكل حال وهو الرجل المسلم العدل القائم بأركان لصلاة وشرائطها فتصح إمامته وإن كان عبدا لأن أبا ذر وابن مسعود وحذيفة وناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قدموا أبا سعيد مملوكا لأبي أسيد فصلى بهم ولأنه من أهل الأذان لهم فأشبه الحر وتصح إمامة الأعمى لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستخلف ابن أم مكتوم يؤم الناس وهو أعمى رواه أبو داود ولأن الأعمى فقد حاسة فأشبه فقد الشم وتصح إمامة الأصم لذلك فإن كان أصم أعمى فقال بعض أصحابنا‏:‏ لا تصح إمامته لأنه قد يسهو فلا يمكن تنبيهه والأولى صحتها لأنه لا يخل بشيء من واجبات الصلاة والسهو عارض لا يبطل الصلاة احتمال وجوده كالجهل بحكم السجود وتصح إمامة ولد الزنا والجندي والخصي والأعرابي إذا سلموا في دينهم لدخولهم في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏يؤم القوم أقرأهم‏]‏ وتصح إمامة المتيمم بالمتوضىء لأن عمرو بن العاص صلى بأصحابه متيمما وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فضحك ولم ينكر عليه لأن طهارته صحيحة أشبه الماسح‏.‏

فصل‏:‏ القسم الثاني‏:‏ من لا تصح إمامته

وهم نوعان‏:‏

أحدهما‏:‏ من لا تصح صلاته لنفسه كالكافر والمجنون ومن أخل بشرط أو واجب لغير عذر فلا تصح إمامته بحال أنه لا صلاة له في نفسه أشبه اللاعب إلا في المحدث والنجس إذ لم يعلم هو والمأموم حتى فرغوا من الصلاة أعاد وحده لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه صلى بالناس الصبح ثم خرج إلى الجرف فاهراق الماء فوجد في ثوبه احتلاما فأعاد ولم يعد الناس وروى الأثرم نحو هذا عن عثمان وعلي وابن عمر ولم يعرف لهم مخالف فكان إجماعا ولأن هذا مما يخفى فكان المأموم معذورا في الاقتداء به والنجاسة كالحدث لأنها مما تخفى ولا يعفى عن سائر الشروط لأنها ليست في مظنة الخفاء فإن علم الإمام والمأموم ذلك في أثناء الصلاة لزمهم الاستئناف وحكي عنه في المأموم أنه يبني على ما مضى لو سبق الإمام الحدث والمذهب الأول لأن ما مضى بني على غير طهارة بخلاف من سبقه الحدث وإن علم بعض المأمومين دون بعض فالمنصوص أنهم يعيدون جميعا لعدم المشقة فيه ويحتمل أن تختص الإعادة بمن علم لأنه اختص بالعلم المبطل فاختص البطلان كما لو أحدث‏.‏

النوع الثاني‏:‏ الفاسق إما بالأفعال أو ببدعة لا تكفره ففي إمامته روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ تصح لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر‏:‏ ‏[‏كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يميتون الصلاة عن وقتها‏]‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ فما تأمرني‏؟‏ قال‏:‏ ‏[‏صل الصلاة لوقتها فإن أدركتها معهم فصل فإنها لك نافلة‏]‏ من المسند وكان ابن عمر يصلي وراء الحجاج والحسن والحسين يصليان وراء مروان‏.‏

والثانية‏:‏ لا يصح لأن جابرا قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏[‏لا تؤمن امرأة رجلا ولا فاجر مؤمنا إلا أن يقهره بسلطان أو يخاف سوطه أو سيفه‏]‏ رواه ابن ماجة‏.‏

ولأنه لا يؤمن على شرائط الصلاة ويحتمل أن تصح الجمعة والعيد دون غيرهما لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بهما خلف كل بر وفاجر لأنها لا تختص بإمام واحد فالمنع منها خلف الفاسق يفضي إلى تفويتها فسومح فيها دون سائر الصلوات‏.‏

فصل‏:‏ القسم الثالث‏:‏ من تصح إمامته بمثله ولا تصح بغيره

وهم ثلاثة أنواع‏:‏

إحداها‏:‏ المرأة يجوز أن تؤم النساء لما تقدم ولا يجوز أن تؤم رجلا ولا خنثى مشكلا في فرض ولا صلاة نفل لقول عليه السلام‏:‏ ‏[‏لا تؤمن امرأة رجلا‏]‏ ولأنها لا تؤذن للرجال فلم يجز لها أن تؤمهم كالمجنون‏.‏

والثاني‏:‏ الأمي وهو‏:‏ من لا يحسن الفاتحة أو يخل بترتيلها أو حرف منها أو يبدله بغيره كالألثغ الذي يجعل الراء غينا ومن يلحن لحنا يحيل المعنى مثل أن يضم تاء ‏{‏أنعمت‏}‏ أو يكسر كاف ‏{‏إياك‏}‏ أو يخل بشدة فإن الشدة قامت مقام حرف بدليل أن شدة راء الرحيم قامت مقام اللام لكن إذا خففها أجزأته فهؤلاء إن لم يقدروا على إصلاح قراءتهم أميون تصح صلاتهم بمثلهم ولا تصح بقارىء لأنه عجز عن ركن الصلاة فأشبه العاجز عن السجود فإن أم أميين وقارئا صحت صلاة الأميين وفسدت صلاة القارىء وفي معنى هذا النوع من يخل بشرط أو ركن كالأخرس والعاجز عن الركوع والسجود والقيام والقعود والمستحاضة ومن به سلس البول وأشباههم تصح صلاتهم في أنفسهم وبمن حاله كحالهم ولا تصح بغيرهم لأنهم أخلوا بفرض الصلاة فأشبه المضجع يؤم القائم إلا في موضع واحد وهو العاجز عن القيام يؤم القادر عليه بشرطين‏:‏

أحدهما‏:‏ أن يكون إمام الحي‏.‏

والثاني‏:‏ أن يرجى زوال مرضه ويصلون خلفه جلوسا لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم جالسا فصلى وراءه قوم قياما فأشار إليهم أن اجلسوا ثم قال‏:‏ ‏[‏إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون‏]‏ متفق عليه فإن صلوا قياما ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ لا يصح للنهي عنه‏.‏

والثاني‏:‏ يصح لأن القيام هو الأصل وقد أتوا به فإن ابتدأ بهم قائما ثم اعتل فجلس أتموا قياما لأن عائشة قالت‏:‏ لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏مروا أبا بكر فليصل بالناس‏]‏ فلما دخل أبو بكر في الصلاة خرج النبي صلى الله عليه وسلم فجاء رسول الله حتى جلس عن يسار أبي بكر فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس جالسا وأبو بكر قائما يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر متفق عليه فأتموا قياما لابتدائهم بها قياما فأما غير إمام الحي فلا يصح أن يؤم قادرا على القيام وهو جالس لعدم الحاجة إلى تقديمه مع عجزه وإن لم يرج برؤه لم تجز إمامته لأنه لا يجوز استبقاؤه إماما دائما مع عجزه واحتمل هذا في القيام دون سائر الأركان لخفته بدليل سقوطه في النفل دونها فإن كان أقطع اليدين فقال أبو بكر‏:‏ لا تصح إمامته لإخلاله بالسجود على عضوين من أعضاء السجود فأشبه العاجز عن السجود على جبهته وفي معناه‏:‏ اقطع اليد الواحدة‏.‏

وقال القاضي‏:‏ تصح إمامته لأنه لا يخل بركن الصلاة بخلاف تارك السجود على الجبهة‏.‏

النوع الثالث‏:‏ الصبي تصح إمامته بمثله لأنه بمنزلته ولا تصح إمامته ببالغ في فرض نص عليه لأن ذلك روي عن ابن مسعود وابن عباس ولأنه ليس من أهل الكمال فلا يؤم الرجال كالمرأة وهل يؤمهم في النفل على روايتين‏.‏

إحداهما‏:‏ لا تصح لذلك‏.‏

والثانية‏:‏ تصح لأن صلاته نافلة فيؤم من هو من مثل حاله ويخرج أن تصح إمامته لهم في الفرض بناء على إمامة المتنفل للمفترض ولأن عمر بن سلمة الجرمي كان يؤم قومه وهو غلام في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه البخاري‏.‏

فصل‏:‏ القسم الرابع‏:‏ من تصح إمامته من دونه ولا تصح بمثله ولا أعلى منه

وهو الخنثى المشكل تصح إمامته بالنساء لأن أدنى أحواله أن يكون امرأة ولا تصح برجل لأنه يحتمل أن يكون امرأة ولا خنثى مشكل لأنه يحتمل كون المأموم رجلا‏.‏

فصل‏:‏ القسم الخامس‏:‏ المتنفل يصح أن يؤم متنفلا وهل يصح أن يؤم مفترضا‏؟‏

فيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ لا يصح لأن صلاة المأموم لا يتأدى بنية الإمام فأشبه الجمعة خلف من يصلي الظهر‏.‏

والثانية‏:‏ يصح وهي أولى لأن جابرا روى أن معاذا كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة متفق عليه ‏[‏وصلى النبي صلى الله عليه وسلم في الخوف بطائفة ركعتين ثم سلم ثم صلى بالأخرى ركعتين ثم سلم‏]‏ رواه أبو داود وهو في الثانية متنفل ويؤم مفترضين ولأنهما صلاتان اتفقتا في الأفعال فأشبه المتنفل يأتم بمفترض وإن صلى الظهر خلف من يصلي العصر أو صلى العشاء خلف من يصلي التراويح ففيه روايتان وجههما ما تقدم فإن كانت إحدى الصلاتين تخالف الأخرى كصلاة الكسوف والجمعة خلف من يصلي غيرهما أو غيرهما خلف من يصليهما لم يصح رواية واحدة لأنه يفضي إلى المخالفة في الأفعال فيدخل في قوله عليه السلام‏:‏ ‏[‏إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عنه‏]‏ وإن صلى من يؤدي صلاة خلف من يقضيها أو من يقضيها خلف من يؤديها صحت رواية واحدة ذكره الخلال لأن الصلاة واحدة وإنما اختلف الوقت وخرج بعض أصحابنا فيها روايتين كالتي قبلها‏.‏

فصل‏:‏ الأمر الثاني في أولى الناس بالإمامة

وأتم ما روي فيه حديث أبي مسعود البدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله تعالى فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا أو قال سلما ولا يؤمن الرجل في بيته ولا في سلطانه ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه‏]‏ رواه مسلم فأولى الناس بالإمامة السلطان للحديث وهو الخليفة أو الوالي من قبله أو نائبهما فإن لم يكن سلطان فصاحب البيت أحق للخبر وقال أبو سعيد مولى أبو أسيد‏:‏ تزوجت وأنا مملوك فدعوت ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم أبو ذر وابن مسعود وحذيفة فحضرت الصلاة فتقدم أبو ذر فقالوا له‏:‏ وراءك فالتفت إلى أصحابه فقال‏:‏ أ كذلك‏؟‏ قالوا‏:‏ نعم فقدموني رواه صالح بإسناده في مسائله فإن أذن صاحب البيت لرجل فهو بمنزلته وإن اجتمع السلطان وصاحب البيت فالسلطان أولى لأن ولايته على البيت وصاحبه وإن اجتمع السلطان وخليفته فالسلطان أولى لأن ولايته أعم وإن اجتمع العبد وسيده في بيت العبد فالسيد أولى لأنه مالك للعبد وبيته وإن اجتمع المؤجر والمستأجر في الدار فالمستأجر أولى لأنه أحق بالمنفعة وإمام المسجد الراتب فيه بمنزلة صاحب البيت لا يجوز لأحد أن يؤم فيه بغير إذنه لذلك ويجوز في غيبته لأن أبا بكر صلى حين غاب النبي صلى الله عليه وسلم وفعل ذلك عبد الرحمن بن عوف مرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏أحسنتم‏]‏ رواه مسلم فإن لم يكن ذو مزية من هؤلاء فأولاهم أقرأهم لكتاب الله للخبر ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم وأحقهم بالإمامة أقرؤهم‏]‏ رواه مسلم‏.‏

ويرجع في القراءة بجودتها وكثرة القرآن فإن كان أحدهم أجود ولآخر أكثرهم قرآنا فالأجود أولى لأنه أعظم أجرا لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏من قرأ القرآن فأعربه فله بكل حرف منه عشر حسنات ومن قرأه ولحن فيه فله بكل حرف حسنة‏]‏ حديث حسن صحيح‏.‏

وقال أبو بكر وعمر رضي الله عنهما‏:‏ إعرب القرآن أحب إلينا من حفظ بعض حروفه فإن اجتمع قارىء لا يعرف أحكام الصلاة وفقيه أمي فالقارئ أولى للخبر ولأنه لا تصح صلاته خلف الأمي وإن كان الفقيه يقرأ ما يجزئ في الصلاة فكذلك الخبر‏.‏

وقال ابن عقيل‏:‏ الفقيه أولى لأنه تميز بما لا يستغنى عنه في الصلاة فإن استويا في القراءة فأولاهما افقههما للخبر ولأن الفقيه يحتاج إله في الصلاة فأشبه القراءة وإن استويا في ذلك فأولاهما أقدمهما هجرة وهو المهاجر من دار الكفر إلى دار الإسلام فإن استويا في ذلك فأكبرهما سنا للخبر ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمالك بن الحويرث‏:‏ ‏[‏إذا حضرت الصلاة فليؤذن إحداكما وليؤمكما أكبركما‏]‏ حديث صحيح ولأنه أقرب إلى الخشوع وإجابة الدعاء يرجح بتقدم الإسلام لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏أقدمهم سلما‏]‏ لأنه إذا رجح بتقدم السن فبالإسلام أولى فإن استويا في ذلك قدم من أشرفهما نسبا وأفضلهما في أنفسهما وأعلاهما قدرا لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏قدموا قريشا ولا تقدموها‏]‏ هذا ظاهر كلام أحمد وقال الخرقي‏:‏ إذا استويا في الفقه فقدم أكبرهما سنا فإن استويا فأقدمهما هجرة وقال ابن حامد يقدم الشرف بعد الفقه ثم الهجرة ثم السن فإن استووا قدم أتقاهم وأورعهم لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏إن أكرمكم عند الله أتقاكم‏}‏ ولأنه أقربهم إلى الإجابة‏.‏

فإن استووا قدم أعمرهم للمسجد وأتمهم مراعاة له ويقدم الحر على العبد لأنه من أهل المناصب والحاضر يقدم على المسافر لأنه إذا أم حصل جميع الصلاة في جماعة بخلاف المسافر‏.‏

والحضري على البدوي لأنه أجدر بمعرفة حدود الله تعالى وأحرى بإصابة الحق‏.‏

والبصير على الأعمى لأنه أقدر على توقي النجاسات واستقبال القبلة بعلم نفسه‏.‏

وقال القاضي‏:‏ هما سواء لأن الضرير لا يرى ما يلهيه ويشغله فذلك يقابل البصر فيستويان والأولى لإمام الحي إذا عجز عن القيام أن يستنيب لئلا يلزمهم ترك ركن فإن استووا أقرع بينهم لأن سعدا أقرع بين أهل القادسية في الأذان ولا يرجح بحسن الوجه لأنه لا مدخل له في الإمامة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏إمامة اللحان‏]‏

الثالث‏:‏ أنه يكره إمامة اللحان لأنه نقص يذهب ببعض من الثواب وإمامة من لا يفصح ببعض الحروف كالضاد والقاف وإمامة التمتام وهو من يكرر التاء والفأفاء فالذي يكرر الفاء لأنهما يزيدان في الحروف وتصح الصلاة خلفهما لأنهما يأتيان بالحروف على الكمال فإن كان يجعل الضاد ظاء في الفاتحة فقياس المذهب أنه كالأمي لأنه يبدل حرفا بغيره ويحيل المعنى فإنه يقال ظل يفعل كذا إذا فعله نهارا‏.‏

ويكره أن يؤم قوما أكثرهم له كارهون لما روى أبو أمامة قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم العبد الآبق حتى يرجع وامرأة باتت وزوجها ‏[‏عليها ساخط‏]‏ وإمام قوم وهم له كارهون‏]‏ وهذا الحديث حسن‏.‏

فإن كانوا يكرهونه لسنته أو دينه فلا يكره قال منصور‏:‏ قيل لنا‏:‏ إنما عنى بهذا أئمة الظلم فأما من أقام بالسنة فإنما الإثم على من كرهه‏.‏

ويكره أن يؤم نساء أجانب لا رجل معهن ويكره أن يتقدم المفضول من هو أولى منه لأنه جاء في الحديث‏:‏ ‏[‏إذا أم الرجل القوم وفيهم من هو خير منه لم يزالوا في سفال‏]‏ احتج به أحمد رضي الله عنه‏.‏

باب‏:‏ موقف الصلاة

إذا كان المأموم واحدا وقف عن يمين الإمام فإن كبر عن يساره أداره الإمام عن يمينه فإن جاء آخر كبر وتأخر فصفا خلفه ولا يتقدم الإمام إلا إن كان الموضع ضيقا فإن كبر الثاني عن يساره أخرهما الإمام بيده لما روى جابر قال‏:‏ سرت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة فقام يصلي فتوضأت ثم جئت حتى قمت عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه فجاء جبار بن صخر حتى قام عن يساره فأخذنا بيديه جميعا حتى أقامنا خلفه من المسند وإن صليا عن يمينه أو أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره جاز لما روي أن ابن مسعود صلى بين علقمة والأسود وقال‏:‏ هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل رواه أبو داود ولأن الوسط موقف لإمام العراة وإمامة النساء‏.‏

فإذا كان معهم امرأة قامت خلفهم لما روى أنس قال‏:‏ قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصففت أنا واليتيم وراءه والمرأة خلفنا فصلى بنا ركعتين متفق عليه فإن اجتمع رجال وصبيان وخناثى ونساء تقدم الرجال ثم الصبيان ثم الخناثى ثم النساء لما روى أبو مالك الأشعري أنه قال‏:‏ ألا أحدثكم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم‏؟‏ قال‏:‏ أقام الصلاة فصف الرجال ثم صف خلفهم الغلمان ثم صلى بهم ثم قال‏:‏ هكذا قال عبد الأعلى لا أحسبه إلا قال صلاة أمتي رواه أبو داود‏.‏

فإن لم يكن مع الرجال إلا امرأة وقفت خلفه فإن كان معه صبي وقف عن يمينه لما روى ابن عباس قال‏:‏ بت عند خالتي ميمونة فقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل فقمت فوقفت عن يساره فأخذ بذؤابتي فأدارني عن يمينه متفق عليه‏.‏

فإن كان معه رجل وصبي في فرض وقف بينهما كما في حديث ابن مسعود وجعل الرجل عن يمينه أو جعلهما عن يمينه وإن كان في نافلة وقفا خلفه على ما في حديث أنس‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏وقوف المأموم قدام الإمام‏]‏

فإن وقف المأموم قدام الإمام لم تصح صلاتهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏إنما جعل الإمام ليؤتم به‏]‏‏.‏

وإن وقف الواحد خلف الصف أو خلف الإمام أو عن يساره لم تصح صلاته لأن النبي صلى الله عليه وسلم أدار ابن عباس وجابر لما وقفا عن يساره وروى وابصة بن معبد أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد رواه أبو داود وعن علي بن شيبان قال‏:‏ صلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم فانصرف ورجل فرد خلف الصف فتوقف النبي صلى الله عليه وسلم حتى انصرف الرجل فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏استقبل صلاتك فلا صلاة لفرد خلف الصف‏]‏ رواه الأثرم قال أحمد رضي الله عنه‏:‏ فيه وفي حديث وابصة هذا حديث حسن‏.‏

ولأنه خالف الموقف فلم تصح صلاته كما لو وقف قدام الإمام فإن صلى ركعة واحدة لم تصح صلاته وإن جاء آخر فوقف معه أو دخل في الصف قبل رفع الإمام من الركوع صحت صلاته لأنه أدرك في الصف ما يدرك به الركعة وإن كان ذلك بعد رفع الإمام ففيه ثلاث روايات‏:‏

إحداهن‏:‏ يصح لأنه لم يصل ركعة واحدة أشبه ما لو أدرك الركوع‏.‏

والثانية‏:‏ لا يصح لأنه لم يدرك في الصف ما يدرك به الركعة أشبه من صلى ركعة‏.‏

والثالثة‏:‏ إن كان جاهلا لم يعد وإن كان عالما أعاد لما روى البخاري أن أبا بكرة انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع فركع قبل أن يصله فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏[‏زادك الله حرصا ولا تعد‏]‏ فلم يأمره بالإعادة لجهله ونهاه عن العود والنهي يقضي الفساد فإن ذلك لغير عذر ولا خشي الفوات فحكمه حكم من خاف الفوات لأن الموقف لا يختلف ليخيفه الفوات وعدمه ويحتمل أن لا يصح لأن الرخصة وردت في حق المعذور فلا يلحق به غيره‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم من وقف معه كافر أو امرأة أو خنثى مشكل أو من صلاته فاسدة‏]‏

ومن وقف معه كافر أو امرأة أو خنثى مشكل أو من صلاته فاسدة فحكمه حكم الفذ لأنهم من غير أهل الوقوف معه وإن وقف معه فاسق أو أمي أو متنفل كانوا معه صفا‏:‏ لأنهم من أهل الوقوف معه وإن وقف الصبي معه في النفل كانا صفا لحديث أنس وإن كان في فرض احتمل أن يكون معه صفا لأنه كالمتنفل واحتمل أن لا يصح لأنه ليس من أهل الإمامة له فيه أشبه المرأة‏.‏

وإن وقف معه محدث أو نجس يعلمان بذلك فهو كالفذ وإن لم يعلما بذلك صحت صلاته لأنه لو كان إماما له صحت صلاته‏.‏

وإن وقفت المرأة في صف الرجال كره ولم تبطل صلاتها ولا صلاة من يليها وقال أبو بكر‏:‏ تبطل صلاة من يليها لأنه خالف الموقف والأول أولى لأنها هي التي خافت بوقوفها مع الرجال فلم تبطل صلاتها فصلاته أولى‏.‏

فإن وقف اثنان خلف الصف فخرج أحدهما لعذر دخل الآخر في الصف أو وقف عن يمين الإمام أو نبه من يخرج فيقف معه فإن لم يمكنه نوى مفارقته وأتم منفردا لأنه عذر أشبه ما لو سبق إمامه الحدث‏.‏

فإن دخل المسبوق فوجد فرجة قام فيها فإن لم يمكنه قام عن يمين الإمام فإن لم يمكنه نبه رجلا يتأخر معه فإن لم يفعل لم يكرهه ويصلي وحده أو ينتظر جماعة أخرى‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏السنة للمرأة إذا أمت نساء‏]‏

السنة للمرأة إذا أمت نساء أن تقوم وسطهن لأن ذلك يروى عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما وإن كانت معهما امرأة وقفت عن يمينها وإن وقفت خلفها جاز لأن المرأة يجوز وقوفها وحدها بدليل حديث أنس‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏موقف الإمام من المأموم‏]‏

والسنة أن يقف الإمام حذاء وسط الصف لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏وسطوا الإمام وسدوا الخلل‏]‏ رواه أبو داود وإن يتموا الصف الأول لما روى أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏أتموا الصف الأول فما كان من نقص فليكن في الصف الآخر‏]‏ رواه أبو داود‏.‏

وخير صفوف الرجال أولها وخير صفوف النساء آخرها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها‏]‏ رواه مسلم قال أحمد‏:‏ ويلي الإمام الشيوخ وأهل القرآن ويؤخر الصبيان الغلمان لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏ليلني منكم أولوا الأحلام والنهي‏]‏ رواه مسلم‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏علو الإمام عن المأمومين‏]‏

والسنة أن لا يكون الإمام أعلى من المأمومين لما روي أن عمار بن ياسر كان بالمدائن فأقيمت الصلاة فتقدم عمار وقام على دكان والناس أسفل منه فتقدم حذيفة فأخذ بيده واتبعه عمار حتى أنزله حذيفة فلما فرغ من صلاته قال له حذيفة‏:‏ ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول‏:‏ ‏[‏إذا أم الرجل القوم فلا يقومن في مكان أرفع من مقامهم‏]‏ وقال عمار فلذلك اتبعتك حين أخذت علي يدي رواه أبو داود فإن فعل فقال ابن حامد‏:‏ تبطل صلاته لارتكاب النهي وقال القاضي‏:‏ لا تبطل لأن عمارا بنى على صلاته وعن أحمد رضي الله عنه‏:‏ لا بأس بهذا لما روى سهل قال‏:‏ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على المنبر فكبر وكبر الناس وراءه وهو على المنبر ثم ركع ثم رفع فنزل القهقري حتى سجد في أصل المنبر ثم عاد حتى فرغ من آخر صلاته ثم قال‏:‏ ‏[‏أيها الناس إنما فعلت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي‏]‏ متفق عليه ولا بأس بالعلو اليسير لأنه لا يحتاج فيه إلى رفع البصر المنهي عنه فيه بخلاف الكثير ولا بأس أن يكون المأموم أعلى من الإمام لذلك ويصح أن يأتم به من في أعلى المسجد وغيره إذا اتصلت الصفوف‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الاقتداء بإمام المسجد وإن تباعد‏]‏

يجوز أن يأتم بالإمام من في المسجد وإن تباعد لأن المسجد كله موضع للجماعة فإن كان بينهما حائل يمنع المشاهدة وسماع التكبير لم يصح الائتمام به لتعذر اتباعه وإن منع المشاهدة دون السماع ففيه وجهان‏:‏

أصحها صحة الصلاة لأن أحمد قال في المنبر إذا قطع الصف لم يضر ولأنهم في موضع الجماعة ويمكنهم الاقتداء به لسماع التكبير فأشبه المشاهد‏.‏

والثاني‏:‏ لا يصح لأن عائشة قالت لنساء كن يصلين في حجرتها‏:‏ لا تصلين بصلاة الإمام فإنكن دونه في حجاب والحجاب موجود هاهنا فإن كان المأموم في غير المسجد وبينهما حائل يمنع رؤية الإمام أو من وراءه لم تصح الصلاة لحديث عائشة وقال ابن حامد‏:‏ يمنع في الفرض وفي النافلة روايتان‏.‏

وعن أحمد في رجل يصلي خارج المسجد يوم الجمعة وأبوابه مغلقة أرجو أن لا يكون به بأس ويشترط اتصال الصفوف وهو أن لا يكون بينهما بعد كثير لم تجر العادة بمثله واشترط أصحابنا أن لا يكون بينهما نهر تجري فيه السفن ولا طريق والصحيح أن هذا لا يمنع لأنه لا يمنع المتابعة إلا أن يكون عريضا يمنع الاتصال‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الصلاة إلى السترة‏]‏

ويستحب أن يصلي إلى سترة ويدنو منها لما روى أبو سعيد قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة وليدن منها‏]‏ رواه الأثرم قال سهل‏:‏ كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين القبلة ممر الشاة رواه البخاري ومسلم‏.‏

وقدر السترة مثل آخر الرحل وقد قدر الذراع أو عظم الذراع إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل فليصل ولا يبال ما مر وراء ذلك‏]‏ رواه مسلم‏.‏

ويجوز أن يستتر بعصا أو حيوان لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان تركز له الحرية فيصلي إليها ويعرض البعير فيصلي إليه وقال نافع‏:‏ كان ابن عمر إذا لم يجد سبيلا إلى سارية قال‏:‏ ولني ظهرك فإن لم يجد سترة خط خطا لما روى أبو هريرة قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا فإن لم يجد فلينصب عصا فإن لم يكن معه عصا فليخط خطا ثم لا يضره ما مر أمامه‏]‏ رواه أبو داود قال أحمد رضي الله عنه‏:‏ الخط عرضا مثل الهلال وقد قالوا طولا وقالوا عرضا‏.‏

قال الشيخ‏:‏ وأنا أختار هذا فإن لم يمكنه نصب العصا ولا الخط عرضها بين يديه لأنها تقوم مقام الخط ولا يصمد للسترة لكن ينحرف عنها يسيرا لقول المقداد‏:‏ ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى عود ولا عمود ولا شجرة إلا جعله على حاجبه الأيمن ولا يصمد له صمدا رواه أبو داود‏.‏

وسترة الإمام سترة لمن خلفه لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بأصحابه إلى سترة ولم يأمرهم أن يستتروا بشيء‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا مر من وراء سترته بشيء‏]‏

وإذا مر من وراء سترته بشيء فلا بأس للحديث فإن أراد المرور دونها رده فإن لح دفعه إلا أن يغلبه أن يحوجه إلى عمل كثير لما روى أبو سعيد قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏[‏إذا كان أحدكم يصلي إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه فإن أبى فليقاتله فإنما هو الشيطان‏]‏ متفق عليه فإن مر بين يديه لم يرده من حيث جاء لأنه مرور ثان وإن صلى إلى غير سترة فمر من بين يديه شيء فحكمه حكم ما مر بينه وبين السترة للحديث ويتقيد ذلك بالقريب منه الذي لو مشى إليه فدفعه لم تفسد صلاته لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بدفع المار فتقيد به بدلالة الإجماع بما لا يفسد الصلاة فكذلك هذا‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم المرور بين يدي المصلي‏]‏

ويحرم المرور بين يدي المصلي لما روى أبو جهيم الأنصاري قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خير له من أن يمر بين يديه‏]‏ متفق عليه ولا يقطعها شيء إلا الكلب الأسود البهيم الذي لا لون فيه سوى السواد لما روى أبو ذر قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره مثل آخر الرحل فإن لم يكن بين يديه مثل آخر الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود‏]‏ قلت‏:‏ يا أبا ذر ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر‏؟‏ قال‏:‏ يا ابن أخي سألن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني فقال‏:‏ ‏[‏الكلب الأسود شيطان‏]‏ رواه مسلم‏.‏

وعن أحمد أن مرور المرأة والحمار يقطع الصلاة للحديث والمشهور الأول لأن‏.‏

عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ عدلتمونا بالكلب والحمار لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاته في الليل كلها وأنا معترضة بينه مبين القبلة متفق عليه وقال‏:‏ الفضل بن عباس‏:‏ أتانا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن في بادية فصلى في صحراء ليس بين يديه سترة وحمارة لنا وكلبة يعبثان بين يديه فما بالى ذلك رواه أبو داود فإن كان الكلب واقفا بين يديه ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ حكمه حكم المار لأنه حصل بين يديه أشبه المار‏.‏

والثاني‏:‏ لا تفسد صلاته لأن حكم الواقف يخالف حكم المار بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي إلى البعير ويصلي وعائشة في قبلته ولا يرى ذلك كالمرور ومن غضب سترة فاستتر بها فهل يمنع ما مر وراءها فيه وجهان بناء على الصلاة في الثوب المغصوب‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏السترة في مكة‏]‏

ولا حاجة في مكة إلى سترة ولا يضره ما بين يديه لأن المطلب قال‏:‏ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي حيال الحجر والناس يمرون بين يديه رواه الخلال‏:‏ وكان ابن الزبير رضي الله عنه يصلي والطواف بينه وبين القبلة تمر المرأة بين يديه فينتظرها حتى تمر ثم يضع جبهته في موضع قدمها‏.‏

باب‏:‏ قصر الصلاة

ولا يجوز قصر الصبح والمغرب بالإجماع لأن قصر الصبح يجحف بها لقلتها وقصر المغرب يخرجها عن كونها وترا ويجوز قصر الرباعية فيصليها ركعتين بشروط ستة‏:‏

أحدها‏:‏ أن تكون في سفر طويل قدره أربعة برد وهي ستة عشر فرسخا ثمانية وأربعون ميلا بالهاشمي وذلك نحو من يومين قاصدين لما روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال‏:‏ يا أهل مكة لا تقصروا في أدنى من أربعة برد ما بين عسفان إلى مكة وكان ابن عباس رضي الله عنهما وابن عمر لا يقصران في أقل من أربعة برد ولأنها مسافة تجمع مشقة السفر من الحل والشدة فجاز القصر فيها كمسيرة ثلاثة أيام‏.‏

وسواء كان في بر أو بحر لأن الاعتبار بالفراسخ وإن شك في قدر السفر لم يبح القصر لأن الأصل الإتمام فلا يزول بالشك والاعتبار بالنية دون حقيقة السفر فلو نوى سفرا طويلا فقصر ثم بدأ له فأقام أو رجع كانت صلاته صحيحة ولو خرج طالبا لآبق أو منتجعا غيثا متى وجده رجع أو أقام لم يقصر ولو سافر شهرا‏.‏

ولو خرج مكرها كالأسير يقصد به بلدا بعينه فله القصر لأنه تابع لمن يقصد مسافة القصر فإذا وصل حصنهم أتم حينئذ نص عليه وإن كان للبلد طريقان طويل وقصيرة فسلك البعيدة ليقصر فله ذلك لأنه سفر يقصر في مثله فجاز له القصر كما لو لم يكن له طريق سواه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الشرط الثاني من شروط القصر‏]‏

والثاني‏:‏ أن يكون السفر مباحا فإن سافر لمعصية كالآبق وقطع الطريق والتجارة في خمر لم يقصر ولم يترخص بشيء من رخص السفر لأنه لا يجوز تعليق الرخص بالمعاصي لما فيه من الإعانة عليها والدعاية إليها ولا يرد الشرع بذلك‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الشرط الثالث‏]‏

والثالث‏:‏ شروعه بالسفر بخروجه من بيوت قريته لأن الله تعالى قال‏:‏ ‏{‏وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة‏}‏ ولا يكون ضاربا في الأرض حتى يخرج فله القصر بين حيطان البساتين لأنها ليست من حيطان البلد ولا تبنى للسكنى‏.‏

وإن خرب بعض البلد فصار فضاء فهو كالصحراء وإن كانت حيطانه قائمة فقال القاضي‏:‏ لا يقصر حتى يفارقها لأنه يمكن السكنى فيها وقال الآمدي‏:‏ له القصر بينهما لأنها غير معتمدة للسكنى فهي كالبساتين‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الشرط الرابع‏]‏

الرابع‏:‏ أن ينوي القصر مع نية الإحرام وقال أبو بكر لا يحتاج إلى النية لأن من خير في العبادة قبل الدخول فيها خير بعد الدخول فيها كالصيام ولنا أن الأصل الإتمام فإطلاق النية ينصرف إليه كما لو نوى الصلاة مطلقا انصرف إلى الانفراد الذي هو الأصل فإن شك نية القصر لزمه الإتمام لأنه الأصل فلو نوى الإتمام في ابتداء الصلاة أو في أثنائها أو ما يلزمه الإتمام كالإقامة أو قلب نيته إلى سفر قريب أو معصية لزمه إتمام الصلاة ولزم من خلفه متابعته لأن نية الأربع أو ما قد يوجبها قد وجد فلزمته الأربع كما لو نوى في الابتداء ومن قصر معتقدا تحريم القصر فصلاته فاسدة لأنه فعل ما يعتقد تحريمه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الشرط الخامس‏]‏

الخامس‏:‏ ألا تكون الصلاة وجبت في الحضر فلو ترك صلاة حضر فقضاها في السفر لم يجز له قصرها لأنه تعين فعلها أربعا فلم يجز النقصان فيها كما لو نوى أربع ركعات ولأن القضاء معتبر بالأداء والأداء أربع ومن سافر بعد دخول وقت صلاة لم يقصرها لذلك وحكي عنه أن له قصرها لأنها صلاة مؤداة في السفر فأشبه ما لو دخل وقتها فيه‏.‏

ولو أحرم بها في سفينة في الحضر فخرجت به في أثناء الصلاة أو أحرم بها في السفر فدخلت البلد في أثناء الصلاة لم يقصر لأنها عبادة تختلف في السفر والحضر ووجد أحد طرفيها في الحضر فغلبت حكمه كالمسح‏.‏

وإن نسي صلاة سفر فذكرها في الحضر أتمها لذلك وإن ذكرها في سفر أو في سفر آخر قصرها لأن وجوبها وفعلها وجدا في السفر فكان له قصرها كما لو أداها ويتخرج أن يلزمه إتمامها إذا ذكرها في سفر آخر لأن الوجوب كان ثابتا في ذمته في الحضر‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الشرط السادس‏]‏

السادس‏:‏ أن لا يأتم بمقيم فإن ائتم بمقيم لزمه الإتمام سواء ائتم به في الصلاة كلها أو جزء منها لأن ابن عباس سئل‏:‏ ما بال المسافر يصلي ركعتين حال الانفراد وأربعا إذا ائتم بمقيم‏؟‏ فقال‏:‏ تلك السنة رواه الإمام أحمد وهذا ينصرف إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم ولأنها صلاة مردودة من أربع فلا يصليها خلف من يصلي الأربع كالجمعة ولو أدرك المسافر من الجمعة أقل من ركعة لزمه إتمامها أربعا لائتمامه بالمقيم ومن ائتم بالمقيم ففسدت صلاته لم يجز له قصرها بعد ذلك لأنها تعينت عليه تامة لائتمامه بمقيم‏.‏

ومن أحرم مع من يظنه مقيما أو يشك فيه لزمه الإتمام وإن قصر إمامه اعتبارا بالنية وإن غلب على ظنه أنه مسافر لدليل فله أن ينوي القصر ويتبع إمامه فيقصر بقصره ويتم بإتمامه وإن أحدث إمامه قبل علمه بحاله فله القصر لأن الظاهر أنه مسافر‏.‏

وإن أم المسافر مقيما لزم المقيم الإتمام ويستحب للإمام أن يقول لهم‏:‏ أتموا فإنا قوم سفر لما روى عمران بن حصين قال‏:‏ شهدت الفتح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان لا يصلي إلا ركعتين ثم يقول لأهل البلد‏:‏ ‏[‏صلوا أربعا فأنا مسافر‏]‏ رواه أبو داود‏.‏

وإن أتم الإمام بهم صحت الصلاة‏.‏

وعنه‏:‏ تفسد صلاة المقيمين لأنهم ائتموا بمتنفل في الركعتين الأخيرتين والأول المذهب لأن الإتمام يلزمه بنيته‏.‏

وإن نسي المسافر فقام إلى ثالثة فله أن يجلس ولا يلزمه الإتمام لأن الموجب لإتمام نيته أو ائتمامه بمقيم ولم يوجد فإن جلس سجد للسهو وله أن يتم‏.‏

فإن لم يعلم المأموم هل سها أو نوى الإتمام‏؟‏ لزمته متابعته لأن حكم وجوب المتابعة ثابت فلا يزول بالشك فإذا اتبعوه فصلاتهم صحيحة لما ذكرناه وإن علموا أن قيامه لسهو فلهم مفارقته فإن تابعوه فقال القاضي‏:‏ تفسد صلاتهم لأنهم زادوا في الصلاة عمدا والصحيح أنها لا تفسد لأنها زيادة لا تفسد بها صلاة الإمام عمدا فلا تفسد بها صلاة المأموم كزيادات الأقوال وإذا صلى بهم الأربع سهوا سجد للسهو وليس بواجب عليه لأنها زيادة لا يبطل بعمدها فلا يجب لها السجود كقراءة السورة في الثالثة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏هل الأولى للمسافر الإتمام أم القصر‏؟‏‏]‏

وللمسافر أن يقصر وله أن يتم لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة‏}‏ فمفهومه أن القصر رخصة يجوز تركها وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت‏:‏ خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة رمضان فأفطر وصمت وقصر وأتممت فقلت‏:‏ يا رسول الله بأبي أنت وأمي أفطرت وصمت وقصرت وأتممت فقال‏:‏ ‏[‏أحسنت‏]‏ رواه أبو داود الطيالسي ولأنه تخفيف أبيح للسفر فجاز تركه كالمسح ثلاثا والقصر أفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه داوموا عليه وعابوا من تركه قال عبد الرحمن بن يزيد‏:‏ صلى عثمان أربعا فقال عبد الله‏:‏ صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين ومع أبي بكر ركعتين ومع عمر ركعتين ثم تفرقت بكم الطرق ولوددت أن حظي من أربع ركعتان متقبلتان متفق عليه وأتى ابن عباس رجل فقال‏:‏ إني كنت مع صاحب لي في السفر فكنت أتم وصاحبي يقصر فقال‏:‏ بل أنت الذي كنت تقصر وصاحبك يتم‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏متى يقصر ومتى يتم‏؟‏‏]‏

وإذا نوى المسافر الإقامة في بلد أكثر من إحدى وعشرين صلاة أتم وإن نوى دونها قصر وعنه‏:‏ إن نوى الإقامة أربعة أيام أتم لأن الثلاث حد القلة بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏يقيم المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثا‏]‏ رواه أبو داود فإذا أقام أربعا فقد زاد على حد القلة فيتم والأول المذهب لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة فصلى بها إحدى وعشرين صلاة يقصر فيها وذلك أنه قدم لصبح رابعة فأقام إلى يوم التروية فصلى الصبح ثم خرج فمن أقام مثل إقامته قصر ومن زاد أتم ذكره الإمام أحمد قال أنس أقمنا بمكة عشرا نقصر الصلاة ومعناه ما ذكرناه لأنه حسب خروجه إلى منى وعرفة وما بعد من العشرة وفي هذا الحديث دليل على أن من قصد بلدا ينوي الرجوع عنه قريبا فله القصر فيه لكون النبي صلى الله عليه وسلم قصر بمكة وهي مقصده وفيه دليل على أن من قصد رستاقا يتنقل فيه لا ينوي إقامة في موضع واحد فله القصر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قصر بمكة ومنى وعرفة عشرا ومن كان بمكة مقيما فخرج إلى عرفة عازما على أنه إذا رجع إلى مكة لا يقيم بها فله القصر من حين خروجه ولو خرج المسافر فذكر حاجة في بلده قصر في رجوعه إليها فإذا وصل البلد فإن كان له به أهل أو مال أتم وإلا قصر فيه أيضا‏.‏

ومتى مر المسافر ببلده له به أهل أو ماشية أتم لأن ذلك يروى عن عثمان وابن عباس رضي الله عنهما‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم من لم يجمع على إقامة إحدى وعشرين صلاة‏]‏

ومن لم يجمع على إقامة إحدى وعشرين صلاة قصر وإن أقام دهرا مثل من يقيم لحاجة يرجو إنجازها أو جهاد أو حبس سلطان أو عدو أو مرض سواء غلب على ظنه كثرة ذلك أو قلته لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقام في بعض أسفاره تسع عشرة يقصر الصلاة رواه البخاري وأقام بتبوك عشرين يوما يقصر رواه الإمام أحمد رضي الله عنه وأقام ابن عمر بأذربيجان ستة أشهر يصلي ركعتين وقد حال الثلج بينه وبين الدخول وإن قال‏:‏ إن لقيت فلانا أقمت وإلا لم أقم لم يبطل حكم سفره لأنه لم يعزم على الإقامة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم الملاح‏]‏

والملاح الذي أهله معه في السفينة وحاجة بيته ولا بيت له غيرها وليس له نية المقام ببلد لا يقصر نص عليه لأنه غير ظاعن عن بلده ومنزله فأشبه المقيم ببلد قال القاضي‏:‏ والمكاري والفيج مثل في ذلك والأولى إباحة القصر لهما لدخولهما في النصوص المبيحة وامتناع قياسها على الملاح لأنه لا يمكنهما استصحاب الأهل ومصالح المنزل في السفر وزيادة المشقة عليه في سفره بحمل أهله معه بخلاف الملاح‏.‏